كثيرة هي الأمراض النفسية التي انتشرت ولا سيَّما في عصرنا الحاضر، وكثيرة هي الكتب التي تناولت وشخصت وعالجت هذه الأمراض، ولكن القليل منها تناولت المشكلة من منظور إسلامي، وندرت الكتب التي تناولتها من منظور الوحيين: القرآن والسنة الصحيحة، وهذا ما تطرق إليه المؤلف مأمون حموش في كتابه هذا.
وقبل أن نعرف بالكتاب، يجدر أن نعرف بالمؤلف، فالدكتور مأمون حموش ليس دكتورًا في الأمراض النفسية أو التربوية كما يتبادر للذهن من اسم الكتاب، ولا حتى في الدراسات الشرعية!! بل هو دكتور في الهندسة الإنشائية تخرج في جامعة (أركنساس) بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو الآن يعمل أستاذًا في كلية الهندسة في جامعة دمشق وخطيب أحد مساجد دمشق وكذا خطيب العيدين في مصلى دمشق الوحيد الذي أعاد إحيائه منذ عودته من أمريكا.
أما الكتاب فقد اشتمل على سبعة عشر بحثًا من الأبحاث النفسية والتربوية كالخجل والانفعالية والعدوانية والهياج والوهم والاكتئاب والإرهاق وغيرها من الأمراض العديدة.
يعرِّف الكاتب كل مرض من الأمراض التي ذكرها كما عرفه علماء النفس بمدارسهم المختلفة ثم يصف ظواهر المرض وفي بعض الأحيان يعرض ما ذكره علماء النفس في علاج هذه الأمراض، ويظهر في بعض المواقف ضعف ما وصل إليه علماء النفس في الغرب بعلاج هذه الأمراض وذلك بسبب جهلهم في علم الله سبحانه وتعالى عن نفس الإنسان وجبلتها وبعد ذلك يعرض الكاتب علاج لهذه المشكلة أو المرض كما جاء في الوحيين:الكتاب والسنة الصحيحة.
فالوحي الكريم بقسميه: القرآن الكريم والسنة الصحيحة يتألق فوق كل مناهج البشر في طريقه لكشفه لأمراض النفس وعوامل الشد إلى الخلف فيها، فالعلاج الأمثل لمشاكل النفس باللجوء إلى خالقها والتعرف على طبيعة ما خلق وضوابط عمل واستقامة فطرة الخلق التي فطر الناس عليها، وأنى لعلماء الغرب الشقي الذين يعيشون على الخمور والزناوالاختلاط المشبوه أن يعالجوا النفوس الجريحة التي تراكمت فيها الآلام الاجتماعية والعقد النفسية الكريهة وهم بحد ذاتهم مرضى يحتاجون إلى علاج نغسي إسعافي ودراسة نفسية تحليلية.
ففي بحث الاستكمالية على سبيل المثال لا الحصر يعرفها كما عرفها علماء النفس بأنها (النزوع نحو الكمال، وهي حاجة دائمة تدفع المهان إلى البحث عن ظاهر الكمال.....) وبعد ذلك يضرب أمثلة على الاستكمالي ويصف شخصيته ويذكر أقوال علماء النفس في عرض وعلاج هذه الظاهرة التي قد لا يكون علاجها صائبا في بعض الأحيان، ثم يعرض هذه الظاهرة المرضية على منهج الوحيين لاستخراج العلاج الأمثل لها، يبدأ بالقرآن الكريم شارحا ومعلقا وواضعا العلاج الوقائي لهذه الظاهرة، ثم يذكر ما جاء في السنة الصحيحة من تحذير من الرياء أو السقوط في حبائل الشهوة الخفية التي تؤدي إلى الاستكمالية ثم يذكر أقوال العلماء من السلف الصالح وقصصهم التي تدل على الإخلاص في العمل وعلى نزوعهم إلى الخفاء عند فعل الخير على نقيض ما يصبو إليه الاستكماليون الذين يتهافتون إلى حب الظهور والرياسة حتى لو كان الذي يدعونه كذبا وزورا.وفي العلاج الأمثل لمشكلة الاستكمالية كما بين منهج الوحيين هو تعميق الخوف من الله في النفس وتذكر المواقف بين يديه سبحانه يوم تبلى السرائر ، ومدافعة وساوس النفس بحب الظهور والرياسة عن طريق شغل الوقت بالعلم والأعمال الصالحة.....)
وفي عرضه لمشكلة العدوانية يدلل على بطلان نظرية فرويد من نظر الوحيين :القرآن والسنة ؛ إذ يتصور فرويد أن أصل الخلق وغايته مرتبط بغريزتين:هما غريزة الحياة التي تمثلها الغريزة الجنسية، وغريزة الموت التي تتمثل في الميول التخريبية، فيرد عليه المؤلف
إنَّ هذه النظرة القاصرة هي إهانة للبشرية المكرَّمة عند ربها ونزولها إلى مستوى البهيمة وحياة الغابة، فالسجود لله العظيم والبكاء من خشيته لا علاقة له بالغريزة الجنسية وكذا الجهاد في سبيل الله والإنفاق ابتغاء مرضاته.........)
وفي ختام الأبحاث يذكر المؤلف خلاصة لبحثه في عدة أسطر لمن أراد أن يتصفح الكتاب بسرعة،خرَّج المؤلف الأحاديث الصحيحة التي ذكرها في هامش الصفحات عند ذكرها إلا أنَّ الكتاب خلا من فهرستها وتبويبها ونأمل منه ذلك وكذا باقي الفهارس في الطبعات القادمة.
ومن الجدير ذكره أن المؤلف الدكتور المهندس مأمون حموش له عدة كتب جميعها تبحث في الوحيين منها كتاب أصل الدين والإيمان مجلدان والسيرة النبوية ثلاثة مجلدات وتحصيل السعادتين على منهج الوحيين ، ومنهج الوحيين في معالجة زلل النفس وتسلط الجن.