الشباب و العاطفة
إن لم نكن منهم بقرب ، إن لم يكن الخير و التسامح أول ما يقدم منا إليهم ، إن لم تتسع قلوبنا و تتمدد بحرارة الحب لهم ، و تنضج على إثر هذه الحرارة ثمار التواصل و تتفتح زهور التفاهم ، فتزهو الحياة حديقة غنّاء ،إن لم تسافر على أجنحة الحب كلماتنا الحلوة و قبلاتنا العذبة ، فتكون علامات على قدومنا إليهم ،إن لم تمتد اكف الشوق تعانق لهفة دمعة حائرة انسابت من عيونهم ، يبحثون عن همسٍ يحتويهم ، و صداقة تصدقهم ! إن لم نكن شمعة تضيء ليل أحزانهم ، إن لم نتخلى عن القسوة في عتابهم ، إن لم نعتمد الرحمة لغة موجهة لهم ، إن لم نفتح على مصراعيها أبوابنا لهم ، إن لم نكن ورود تهدي عبيرها لهم ، إن لم نكن أنشودة الأمل تعزف ألحان آمالهم و طموحاتهم ، بل و لحظات طيشهم و جنونهم ، إن لم نتعايش مع تمردهم ، إن لم نسابقهم و نلعب معهم ، إن لم نستسلم طواعية من حين لآخر لدلال مراهقتهم ، إن لم نوقع في "أوتجرافاتهم" ! إن لم نلتقط الصور لهم ، إن لم نتقبل " اللخبطة" ! و تخبط الذوق بدعوى أنها "ماركة" ! عند اختيار ثيابهم ، إن لم نكن حناناً يحتويهم و يضم أنّاتهم و يدفئ برد أيامهم ، " إن لم نبث على نفس الموجات التي يلتقطونها هم " ، إن لم نودع و بلا رجعة كلاسيكية التكلف عند الحديث إليهم و حاولنا صياغة الجمل بمفردات رومانسيتهم ، إن لم نتذكر أننا يوماً كنا مثلهم، فمن لهم ؟
لماذا يا أمي اليوم العتاب منكِ على جفاء حادث بيني و بينك ، و لكم أقبلت عليكِ و أنا قادم من مدرستي متلهف لحضنك و قبلة منكِ ، فاتح ذراعيّي بكل الشوق إليك ، فلا أجدهما إلا و قد عانقا الهواء محملاً بقذائف توجيهية نحو غسل اليدين و الوجه قبل السلام على أي أحد ، و طفولة قلبي المشتاقة لكِ ، أكانت يومها عندك أيضاً بحاجة إلى تنظيف ، همشتيها فخسرتيها ، فلمَ اللوم منكِ الآن ؟
لماذا يا أبي حين أتيتك اختال بثوبي الجديد انتظر منك ثناء و كلمات مدح و إعجاب بأنوثتي و رشاقة خطواتي ، لم أجد منك إلا عدم الاكتراث ، و لوحة الإرشادات التي انطبعت في عقلي بالحرص على نظافة ثيابي و حتمية التوقف عن تفاهة ! اهتماماتي ، فلمَ اللوم منك اليوم لما أسرتني كلماته عبر الجوال تارة ، أو لما هدم " ريجيماً "! قاسياً فرضته أنت يا أبي عبر سنوات عجاف ، فزاد جوعي و حرماني ، فما بقيت لي قوة أصد بها هذا السيل الجارف منه و من عذب ألحانه التي ينشدها على مسامعي كل لحظة ، و لطالما بحثت عن الحب عندك و عن لحظة تمنحني إياها من خلال فقرة ! في جدول أعمالك ، فلم أجدني حتى على قائمة الانتظار ! .
الشباب في مجتمعاتنا العربية ، هل استطاعت الأسرة أن تحتويهم و تضخ لهم المزيد من الحب و انسياب العواطف ، أم هناك حواجز نفسية كبيرة بناء على قواعد تربوية خاطئة جعلت من الحب و التعبير عنه خطيئة ، فاتجه الشباب و الفتيات إلى تكوين علاقات ، ساعد على تنميتها التقنية الحديثة و توفر وسائل للاتصال لم تكن إلى سنوات قليلة معروفة لمجتمعاتنا .
نهر الحب الذي جف عند الكثير من الأسر مما زاد من مساحة التصحر في علاقاتنا ، هل من سبيل لإعادة جريانه؟
الاتزان الوجداني و الإشباع العاطفي و الذي هو من أهم سمات الشخصية الناضجة إن لم يحصله الشاب و الفتاة في حضن البيت و الأسرة ، فأين ؟
هل وصلنا إلى حد الخطر فوجب دق أجراس الإنذار ، ما الأسباب و ما العلاج ،
شارك برأيك